الاحتقان النوبي وأسلوب الحل وحتميته

رسالة نوبية ثانية إلى محافظ أسوان)
نشرت الرسالة الأولى في جريدة الوفد بتاريخ 1/7/1995
سيادة اللواء مصطفى السيد.
محافظ أسوان
تحية طيبة وبعد.
شُرُفْتُ باتصالكم التليفوني ظهر يوم الأحد 20 يوليو 2008، والتي بها وجهتم لي الدعوة لمقابلة سيادتكم في أسوان أو غيرها. وقد قبلت دعوة سيادتكم بصدر رحب وتفاؤل مبدئي. وفي هذه المقابلة المرجوة، سأكون معبرا قدر استطاعتي عن لجنتي متابعة القضية النوبية (لإسكندرية/القاهرة) وهما اللجنتان الممثلتان لنوبيي المدينتين. وكما تعلم سيادتك هم المستحقون للمساكن التي لم تبن منذ تهجير السد العالي عام 1964، أي منذ أربعة وأربعون عاما. وأيضا هم الذين أطلقت عليهم الحكومة اسم (المغتربين)!
سيادة اللواء مصطفى السيد.
القضية النوبية هي قضية جزئية من قضية مصر الكُلية، حلّها ونزع فتيلها يكون من ضمن نزع فتائل بقية القضايا. خطيئة كبرى أن يُنظر للقضية النوبية بمنأى عن عمومية قضايا مصر المتشابكة والتي تتداخل في بعضها، ومن قِصَرْ النظر المُهلك الذي يعادل الانتحار، محاولة تخطيها وفصلها عن قضية الأمن القومي المصري، خاصة في بُعدِه الجنوبي الأهم. ومثلما نحن معشر النوبيين المصريين نوقن بأن قضيتنا قضية مصرية مؤثرة في الأمن القومي المصري، فنحن في نفس الوقت مؤمنون بأن القضية النوبية قضية إنسانية تخص الإنسانية جمعاء، فالنوبة من الشعوب الأصلية التي وُضِعَتْ لها القوانين الإنسانية العالمية، تقديرا لمكانتها وحماية لها ومحافظة على تراثها الهام، فما حدث ويحدث للنوبيين لا يجب أن يتغافل عنه العالم.
مصر موقعة على قوانين حقوق الإنسان العالمية، أي أنها موافقة عليها وألزمت نفسها بتنفيذها. وفرق شاسع بين المطالبة بتطبيقها وبين تحريض الأجنبي على مصر. بعض عبيد السلطة والكثيرون من الجهلة، يخلطون هذين البندين فيتهمون من ينادي بتطبيق قوانين الإنسان بالاستقواء بالأجنبي. وأيضا بعض المسئولين يرفضون إصرار النوبيين وغيرهم بالمناداة بقوانين حقوق الإنسان، رغم أن مصر كما بينت سابقا موافقة عليها، بل هي من ضمن واضعيها! وخلال السنوات القليلة الماضية، وقعت الحكومة المصرية الاتفاقات مع منظمة الدول الأوروبية، وبها بندا يعطي تلك المنظمة الحق في التدخل في أوضاع حقوق الإنسان داخل مصر! فإن كانت الحكومة المصرية الحالية ترفض متشنجة لجوء بعض قطاعات الشعب المصري لهذه القوانين وتعتبرها استعداء الخارج على الداخل! إن كان ذلك فلماذا لا تسحب الحكومة المصرية توقيعاتها على تلك القوانين؟! الشعب المصري بما فيه من نوبيين ضعيف أمام جبروت الحكومة وطغيانها، لم يستطع حتى الآن مجابهة بغي القوى التنفيذية الحكومية وسيطرتها على المجالس التشريعية والقضائية. وأهم قوى الشعب هي مجابهة الحكومة الظالمة استنادا على القوى الذاتية المدنية والرفض الإيجابي للمظالم بما فيها من فساد، وأيضا من قوى الشعب الأساسية قوة الشرعية الدولية بعد أن خذلته الشرعية الحكومية الكاذبة والإعلام الحكومي المنافق.
والغريب أن الحكومات المصرية نفسها، تنادي بتنفيذ قوانين حقوق الإنسان! فلنقرأ ما نقلته في كتابي <الصحوة النوبية> عن ممثلين حكوميين رسميين {يذهب الدكتور فتحي سرور والسيد كمال الشاذلي إلي مؤتمر البرلمان الدولي بموسكو عام 1998 وطالب فيه السيد كمال الشاذلي وزير شئون مجلسي الشعب والشورى وقتها حسب ما كتبته جريدة الأهرام في 9/9/1998 " بضرورة أن يقوم المجتمع الدولي بالتوصل إلي آليات محددة لإلزام الدولة المنتهكة لحقوق الإنسان باحترام المبادئ التي أكدت عليها مواثيق حقوق الإنسان"}. هنا وزير مصري يصرح بضرورة تدخل المجتمع الدولي! طبعا الوزير لا يقصد الغزو كما في العراق، بل يقصد فرض القوانين الإنسانية. وهو ما ننادي به، لكن المدلسين يخلطون الأوراق ليسيئوا لنا إنسانيا ومواطنيا، في نفس الوقت يتناسون تصريحات المسئولين بنفس المعنى. أضيف تأكيد مسئول قضائي كبير سابق، هو لأستاذ البسيوني رئيس مجلس الدولة الأسبق، حيث صَرّح في جريدة المصري اليوم في 26/1/2008: (أن حقوق الإنسان لم تعد شأنا داخليا صرفا، مستدلا بأن قانون إنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان. ينص على أن من ضمن اختصاصاته، الإسهام في صياغة الردود التي تلتزم الحكومة بتقديمها للأمم المتحدة أو أجهزتها المختلفة عن حالات حقوق الإنسان في مصر وما يمكن أن ينسب إلى الحكومة من انتهاكات في هذا الشأن) وفي أهرام 27/3/200، تحت عنوان (تطوير نوعي ومنهجي في المعالجة المصرية لقضايا حقوق الإنسان) السفير هاني خلاف رئيس اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان، صرح قائلا " فإن معالجة مصر لقضايا حقوق الإنسان تنطلق من عدة مرتكزات على النحو الآتي:أولا: الالتزام بما ورد في الشرعية الدولية من إعلانات ومواثيق واتفاقيات وعهود تقنن حقوق الإنسان وتحميها وتعززها خصوصا تلك المبرمة في إطار منظومة الأمم المتحدة التي شاركت مصر في تطويرها). أضيف لتأكيد هذه الأساسية الخاصة بالقضية النوبية وتمسكها ببند قوانين الإنسان العالمية، أضيف ما صَرَّح به د. بطرس غالي رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان في جريدة المصري اليوم أيضا بتاريخ 6/8/2008 (من حق الأجهزة الخارجية التدخل في الشؤون المصرية الداخلية حول حقوق الإنسان) هنا يا سيادة المحافظ يوافق د. بطرس غالي وهو مسئول مصري كبير، لا يوافق فقط على تدخل هيئة المم المتحدة في شئون مصر الداخلية الخاصة بحقوق الإنسان، بل يوافق فوق ذلك على تدخل الدول الخارجية في شئون مصر الداخلية الخاصة بحقوق الإنسان!! فقد قال بالحرف الواحد في هذا التصريح المذكور(كما أنني أتدخل في الشؤون الداخلية الفرنسية والهندية والصينية، فمن حق الأجهزة الصينية أن تتدخل في الشؤون الداخلية المصرية فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان، لأن تلك القضايا خرجت من الدائرة الوطنية إلى الدائرة الدولية، واليوم على سبيل المثال هناك بعض المشكلات المحلية من الصعب حلها، وسوف تعالج على المستوى الدولي).